أمين الرّيحاني

wedyear.jpg
أمين الرّيحاني

كان أمين الرّيحاني (1876-1940) من أبرز المفكّرين العرب في التّاريخ الحديث. وكان شخصية فذّة متعدّدة الجوانب، سابقًا لعصره في تفكيره وحدسه. قضى معظم حياته متنقلاً بين الشّرق والغرب، وإن خصّ لبنان، موطنه الأوّل، ونيويورك موطنه الثّاني، بمعظم أسفاره ورحله وترحاله في غير أوقات تجواله الواسع في أقطار العالم العربيّ. شارك الرّيحاني جبران ونعيمة إيمانَهما بوحدة أديان العالم وبأخوّة البشر وأجناسهم الأمر الّذي يفسّر وهبه حياته كلّها لهدف التّفاهم بين الشّرق والغرب. كان يؤمن بأنّ الأوان قد حان لبناء عالم عربيّ حرّ قائم على العدل والمساواة. رأى بثاقب بصيرته ملامح المستقبل فنبّه إلى الأخطار الّتي تهدّد مجتمعاتنا وحثّ بني وطنه وإخوانه العرب على نبذ التعصب الأعمى والتّطرّف والعصبيّة بكلّ أشكالها، ولكنّه ظلّ أيضًا على احترامه للتّقاليد السّليمة والأعراف السّامية. ليس هناك ما يدلّ أنّ الرّيحاني التقى بعبّاس أفندي [عبد البهاء] أو اجتمع به ولكنّه من غير الممكن أن لا يسمع أخباره أو يقرأ عنه في الصّحف والجرائد الأمريكيّة. تأثّر الرّيحاني بشخصية عبد البهاء ورسالته بصورة غير مباشرة، ففي كتاب خالد- وهو رواية خياليّة، ولكنّه ككتاب "النّبيّ" لجبران خليل جبران رسالة روحيّة تسعى لتخليص التّراث الدّيني من كلّ ما دخله من التّعصب وعزل الآخر- ها هو خالد يصرخ:

"... ولكنّني سوف أمسح عناكب التّفسير والسّفسطة عن عمل القلب هذا ... سوف أطلب إليكم، يا إخواني، تنظيف ثياب الدّين. وحتّى الأغطية المهترئة والطّارئة، سوف أرمي بها بعيدّا. أدعوكم للعودة عن تديّن اليوم ونفاقه الى ديانة القلب الصّافية..." 1

في هذا الكتاب يَرِد اسم عبّاس أفندي (حضرة عبد البهاء) والبهائية وكأنّما الرّيحاني يلفت النّظر الى هذا الدّين الجديد:"الحبّ، بهاء الله عجبًا، الباب والبهاء هو بهاء الله والبهاء يعني Splendour، فالبهاء هو الحبّ، إذًا. والحبّ هو الدّيانة الجديدة والدّيانة الوحيدة."2 ورغم أنّ الرّواية هي من صُنع الخيال، وقد يُفسّرالقارىء هذه العبارات كما يحلو له، إلاّ أنّ الأصداء الصّادرة من صفحات الكتاب المقدّس جليّة واضحة وتنبعث من تلك الآية الخالدة: "الله محبّة".3

 
وفي الوصيّة الّتي كتبها في شهر أيلول (سبتمبر) من العام 1931 قبل وفاته بتسع سنوات يعلن أمين الرّيحاني أن دينه هو وحدة كلّ الأديان :
 
"... إني مؤمن بالله، وبالعلم الكشّاف لأسرار الوجود، الممهّدِ السُّبل البشريّة والكونيّة إلى الإدراك الأعلى. إنّي مؤمنٌ بالسّرّ الّذي يغدو اكتشافًا فيُذلّل عقبةً من عقبات الحياة، أو اقتراحًا فيُشعل في جادّاتها نورًا جديدًا.أوصيكم بتعهّد كلّ نورٍ جديد. واعلموا أنّ قلبًا كثيرَ الأنوار خيرٌ من عقلٍ كثير العرفان. إنّ في كلّ دينٍ من أديان العالم نورًا يُضيء إلى حين –وقد يبلغُ "الحين" ثلاثة أو أربعة أو خمسة آلآف سنة- ولكنّه لا ينطفىء نورٌ قبلَ أن يسطعَ نورٌ آخرُ مكانه. إنّ أنوار العالم القديمة على وشك الانطفاء كلّها. فتيقظوا، وراقبوا المصابيح الجديدة، وسيروا في مقدّمة المُستنيرين بأنوارها...إنّي من الموحّدين، وإنّ في مرآة توحيدي لتنعكسُ وجوه الأنبياء والرُّسُل أجمعين- كنفوشيوس وبوذا وزرادشت وسقراط وموسى ويسوع ومحمّد وبهاء الله وماري بيكر إدي وما بينهم غيرهم كثيرون – إنّهم كلّهم لَمن ينبوع واحد، وإنّ وجوههم كلّها لتتآلفُ وتتمازجُ ثمّ تنعكس وجهًا واحدًا هو الرّمز الأقدسُ لوجه الله.أوصيكُم إذَن بالتّوحيد. فالدّين نظريًا هو الصّلة الحيّة النّيّرة بين الإنسان وربّه الأوحد. والدّين روحيًّا، هو الاستمتاع بما يكشفه الاجتهاد، دون واسطةٍ البتّة، من مُخبئاتِ هذه الصّلة الفريدة الخفيّة. والّدّين عمليّاً هو أولاً إدراك الحقيقة الالهيّة في كلّ من علّم الإنسان صفحةً، بل حرفًا في كتاب الحبّ والبِرّ والتّقوى. ثمّ هو الأخذ عنهم والاقتداء بهم، فكرًا وقولاً وعملاً، كلٌّ على قدر طاقته.4
وما يُحمِّل الله نفسًا فوق طاقتها."
 
يقول الدّكتور فكتور الكك في كتابه بعنوان "أمين الرّيحاني، داعية وحدة الأديان ووحدة العوالم"،إنّ الرّيحاني تأثّر كثيرًا بتعاليم عبد البهاء عبّاس ابن مؤسّس الدّين البهائي الّذي لقيَت زيارته إلى الولايات المتّحدة بين عامي 1911 و 1912 اهتمامًا كبيرًا في الصّحف الأمريكيّة.
 

[1] مقتطفات من "كتاب خالد" لأمين الرّيحاني، ترجمه إلى العربيّة الدّكتور أسعد رزّوق، بيروت، المؤسسة العربيّة للدّراسات والنّشر، 1986، 323. نشر الرّيخاني كتاب خالد بالإنجليزيّة عام 1911.
[2] "كتاب خالد"، ص 300.
[3] رسالة يوحنا الرّسول الأولى، الإصحاح 4، الآية 8.
[4]  "وصيّتي"، 1931 مخطوطة محفوظة في متحف آل الرّيحاني نشرت مؤخرًا.