بناء الحياة الاجتماعيّة

نشعر، كلبنانيّين، أنّه مع شيوع حالة اللاّمبالاة بظواهر الفساد المنتشرة على المستويات الاجتماعيّة كافّة، فالحاجة تبدو ماسّة لتغيير جذريّ في المفاهيم من أجل إعادة تنظيم مجتمعنا على أسس تضمن كرامة الإنسان ورخاءه. لذلك، لا بدّ من أن نتفكر في تعاوننا، بما تسمح به مواردنا وطاقاتنا، للقيام بمساع تهدف إلى تعزيز وحدتنا، وتساهم في تحقيق مجتمع أفضل، ولا يتمّ ذلك إلاّ بالأعمال الطّاهرة والأخلاق الراضية المَرضيّة.
يشبه المجتمع جسد الإنسان الّذي تقوم بُنيته على التّعاضد والاتّحاد بين أركانه وأعضائه لتنظيم عمله وتأمين سلامة بقائه؛ فكما أنّ ظهور القوّة العاقلة في الإنسان ناتجٌ عن التّرابط والاتّحاد المعقّد لملايين الخلايا الّتي يؤدّي انتظامُها، في أنسجة وأعضاء متكاملة فيما بينها، إلى تحقيق قدرات متميّزة في الكائن البشريّ، فإنّ الجسم الاجتماعي هو أيضًا مجموعة من التّفاعلات المنتظمة بين مكوّنات متنوّعة ومتعدّدة من الأفراد والعائلات المتّحدة اتّحادًا وثيقًا، والّتي تسمو فوق الاهتمام المحدود بوجود الفرد بدل وجود الكلّ.

فمثلما تتوقّف حياة كلّ خليّة وكلّ عضو في الجسم على سلامة الجسم بأكمله، يعتمد رخاء الفرد والعائلة في المجتمع على رخاء المجتمع بأكمله؛ وإلى هذا يُشير حضرة بهاء الله بقوله: "فانظروا العالم کهیکل انسان اعترته الأمراض وبرؤه منوطٌ باتّحاد مَن فیه".

 
يكوّن الشّباب العنصر الأهمّ في بناء مستقبل المجتمعات البشريّة، وهذا أمرٌ مسلّمٌ به. لذلك ينبغي أن لا نقلّل من أهمّيّة دور الشّباب في بناء المجتمع فيما لو وُجِّهت طاقاتُهم الخلاّقة في المسار الصّحيح نحو التّعاون والتّعاضد والتّآلف الجماعي. هذا النّمط من الحياة يُساهم في بناء الشّخصيّة الشّابة كمكوّن فاعل في تشكيل المجتمع الّذي يعيش فيه، وبذلك يُساهم الشّاب من خلال نموّه الفرديّ في ارتقاء المجتمع مادّيًّا وروحانيًّا. إنّ تبنّي شبابنا للمفهوم الصّحيح لخدمة مجتمعه بروح التّواضع وبدافع المحبّة، سيساعدهم حتمًا على كسب قدرات ومهارات جديدة تسهم في إدراكه لطبيعة الإنسان المعنويّة وحقيقته الرّوحانيّة. يستوجب هذا الإدراك تحديد أهداف أشرف وأسمى لحياة الفرد والمجتمع تتخطّى الإطار المادّي المحدود، وتوجّه القدرات الهائلة الكامنة في جوهر شبابنا نحو التّعايش البنّاء، واحترام الآخر، وخدمة المجتمع.

يسعى البهائيّون في لبنان، وبالتّعاون مع أبناء وطنهم، وبكلّ تواضع وإخلاص، للعمل على رقيّ أحيائهم وبلداتهم عن طريق تقديم برامج تهدف إلى تنمية قدرات كافّة شرائح المجتمع وصقلها بالمعرفة لتحقيق التّوازن والتّطوّر الرّوحاني والمادّي لمجتمعنا.

يبقى الاتّحاد الصّفة المحوريّة لأيّ رقيّ يسعى إليه أيّ مجتمع، وهذا مبدأ تركّز عليه جميع الكتب الإلهيّة، ويؤكّده حضرة بهاء الله في كلام يربط فيه بين مبدأ الاتّحاد والتّزكية اليوميّة للنّفس، فيقول: "قُلْ أَنِ اتَّحِدُوا فِي كَلِمَتِكُمْ وَاتَّفِقُوا فِي رَأْيِكُمْ وَاجْعَلُوا إِشْراقَكَمْ أَفْضَلَ مِنْ عَشِيِّكُمْ وغَدَكُم أَحْسَنَ مِنْ أَمْسِكُم."

يمكنُنا، بوحدة الهدف والرّؤيا، أن نسير معًا في الطّريق الأمثل لتقدّم مجتمعنا؛ فبالمشورة البنّاءة البعيدة عن الغايات الشّخصيّة، يمكننا، كلبنانيين، أن نعمل معًا نحو مشاريع تهدف إلى نموّ وطننا وتقدّمه، وبناء بلد ينعم بالازدهار والوحدة.

تتحقّق هذه الأهداف إذا كنّا معًا نبني.