الحياة بعد الموت

موضوع الحياة بعد الموت في سياق مفهوم الخدمة في المجتمع، وارتباطه بالمواقف المناسبة تجاه ظروف حياتنا

إنّ البحث في موضوع الحياة بعدالموت  في سياق مفهوم الخدمة في المجتمع ضروريّ لكلّ من يشارك في مجال الخدمة. فالخدمة الاجتماعيّة في هذا العالم يجب أن تُفهم في سياق المعنى الشامل للحياة الّتي تتعدّى الحياة الدّنيا وتستمرّ إلى الأبد، بينما تتقدم أرواحُنا في عوالم الله.

تعلّمنا جميع الدّيانات أنّ الحياة ليست مجرّد حوادث العالم وما يظهر فيه، فمغزاها الحقيقيّ يكمن في تطوّر الرّوح. فالحياة الحقيقيّة، الّتي هي حياة الرّوح الباقية، تتجسّم في هذا العالم العنصريّ لفترةٍ وجيزة قبل أن تستمرّ إلى الأبد في العوالم الإلهية بعدما يتخلّص الإنسان من القيود الجسديّة والدّنيويّة.

حياة الجسد هي المرحلة الأولى الجنينيّة من مراحل وجودنا، والنّجاة من الجسد يشبه الولادة الجديدة التي بها تنتقل الرّوح الإنسانيّة إلى حياة تتّسم بالكمال لتتحوّل إلى روح ملكوتيّة.

الرّوح آيةٌ إلهيّة خلقها الله، وتعلّق الرّوح بالجسد من خلال تكوين النّفْس الإنسانيّة يكوّن وجود الإنسان في الحياة الجسديّة. لذلك ليس الموت سوى تغيير في الحالة الّتي يتمثّل بها الرّوح، وفي تلك المرحلة الّتي تلي الموت يتقدّم الرّوح ويترقى في العوالم الأخرى إلى الأبد.

يتفضّل حضرة بهاء الله عن الرّوح بقوله:

"أمّا سؤالك عن حقيقة النّفس؛ إنّها آية إلهيّة وجوهرة ملكوتيّة الّتي عجز كلُّ ذي عِلمٍ عن عرفان حقيقتها وكلُّ ذي عرفانٍ عن معرفتها. إنّها أوّل شيءٍ حكى عن الله موجِدِهِ وأقبلَ إليه وتمسّكَ به وسَجَدَ له."

حقيقة النّفس هي الرّوح الّتي أوجدها الله بأمره لتكون آيةً لقدرته في عالم الخَلق.

مثلما يحصل الإنسان في عالم الرّحم على جميع القوى الّتي يحتاج إليها في هذا العالم، فكذلك يجب عليه أن يهيّئ لنفسه في هذا العالم ما يحتاج إليه في العالم الآخر. إنّ التعلّق بالدّنيا يعيق الرّوح ويحرمه من الطيران في سموات قدس العرفان، فيغدو عاجزاً ضعيفاً. من خلال الروح، وهب الله الإنسان القابلية لأن يعكس كلّ أسمائه وصفاته.

 

في النّهاية، عندما نشارك في خدمةٍ ما في المجتمع، فإننا نعطي لحياتنا معنىً وقيمة، وهذا المعنى يساعد الرّوح على اكتساب الكمالات الّتي تهيّؤه لاستقبال حياة أكثر سموّاً بعد الموت والتّدرّج في مراحل الرقّي.

إن مقاربة موضوع الحياة بعد الموت يزيدنا وعياً في أهمية ما نقوم به في حياتنا على الأرض وفي مغزاه وارتباطه بالمواقف المناسبة اّلتي نتخذها تجاه ظروف عديدة في حياتنا؛ حينها فقط نعمل بفعاليّة ونشعر بالمسؤولية تجاه مشروع الخدمة الذي نقوم به لأنّها مقدّمة دنيويّة لكمالات روحانيّة نحصد ثمارها بعدما تنضج الحياة الدّنيويّة ويأتي موسم الحصاد في عوالم الله الملكوتيّة.